جون أوثرز
الحقيقة موجودة على شبكة الإنترنت. هناك يمكن أن تتضح لنا مجموعة المخاوف كلها. المسارات التي نتركها خلفنا بعد تصفحنا لها ما هي إلا دليل على ما يخيف ويثير الناس. والآن تبرز تكنولوجيا جديدة هدفها استخلاص الأدلة من الإنترنت ليجري استخدامها في الاستثمار، يمكن لها أن تسمح لنا بالاستفادة من جنون وحكمة الحشود للتنبؤ بالنتائج. حاليا يوجد نوعان من المخاطر الهائلة المتعلقة بالأسواق. أحدها يتعلق بسلامة النظام المالي بأكمله، والآخر بالسياسة الأمريكية. هل يمكن لـ «دويتشه» أن ينهار؟ وهل يمكن أن يكون دونالد ترامب الرئيس القادم للولايات المتحدة؟
فلنبدأ بـ «دويتشه»، باعتباره مؤسسة عالمية، كبيرة جدا لدرجة لا يمكن معها السماح بفشله، فإن انهيار «دويتشه» يمكن أن يتضاءل بجانبه كل شيء شهدناه بعد انهيار بنك ليمان براذرز. ابحث عنه عبر محرك البحث جوجل، وستقدم لك خدمة البحث التلقائي بكل سهولة خيار «انهيار دويتشه بانك». معنى ذلك أن هذا الخطر يشغل بال كثيرين. انخفضت أسهم البنك الأسبوع الماضي لتهبط إلى أدنى مستوى لها خلال عقدين - ما يعني أن قيمة المصرف أصبحت أقل مما كانت عليه إبّان أزمتي «ليمان» ومنطقة اليورو. وجاءت أحدث عملية للتخلص من أسهم المصرف بعد أن أفادت «بلومبيرج» بأن صناديق التحوط كانت تحد من تعاملها مع «دويتشه» - ما يوحي بوجود مخاوف حقيقية تهدد بقاءه على قيد الحياة. بيعت الأسهم الأمريكية بكثافة وبأسعار رخيصة بعد تلك الأنباء، لكن ليس على نطاق مماثل لما حدث عام 2008. ولا تزال الأسهم الأمريكية قريبة من أعلى مستوياتها القياسية المعتادة، ولا تزال التقلبات أدنى من مستوياتها التي وصلت إليها في وقت سابق من هذا العام، ناهيك عن المستوى الذي وصلت إليه في عام 2008. هل هذا يعتبر نوعا من التهاون؟ ربما لا. فالقضايا التي يعانيها «دويتشه» تتعلق بأنموذج الأعمال لديه، وبأسعار الفائدة السلبية في منطقة اليورو التي تقوض ربحية أعماله المصرفية، والمتاعب القانونية التي يعانيها في الولايات المتحدة، حيث يمكن أن تكون غرامة بقيمة 14 مليار دولار بسبب غش في عمليات بيع خلال فترة الأزمة أكبر من قيمته الرأسمالية الحالية في السوق. إذا تراجع السياسيون على أي من جانبي المحيط الأطلسي، فإن المشكلات القانونية التي يعانيها «دويتشه» يمكن أن تتلاشى. المستثمرون الذين يتذكرون ما حدث في عام 2008 يعتقدون أن شخصا ما سيتراجع. في الوقت نفسه، يمتلك المصرف السيولة. والاعتقاد السائد هو أن النظام أقوى الآن. وعلى الأقل، الرجاء هو أن هذا يشكل مشكلة للأرباح وبالتالي للمساهمين، لكنه لا يشكل مشكلة للدائنين. وبالتالي لا يشكل مشكلة للنظام المالي العالمي. ومن ثم هناك المستر ترامب. يكفي القول إن انتخابه يمكن أن يعمل على تصعيد حالة عدم اليقين - ناهيك عن هجماته التي شنها على «الاحتياطي الفيدرالي»، والمقترحات التي قدمها عن الإعسار في تسديد التزامات سندات الخزينة، ورفع التعريفات التجارية، فإن شخصيته المتقلبة يمكن أن تفتح الباب أمام مخاطر غير قابلة للقياس تهدد العلاقات الدولية. أيا كانت الأيديولوجية التي يتبعها المستثمرون، تعتقد الغالبية العظمى منهم بأن انتخابه سيكون أمرا سيئا وخطِرا. استطلاعات الرأي التي جرت الأسبوع الماضي أشارت إلى تفوق بسيط لهيلاري كلينتون على ترامب. وحتى بعد مناظرة يوم الإثنين التي يبدو أن هيلاري فازت بها، يقدر اختصاصي الإحصاءات، نيت سيلفر، من fivethirtyeight.com أن فرصة فوز ترامب لا تزال بنسبة 37 في المائة. وهذه فرصة عالية جدا بالنسبة إلى حدث متطرف. أما أسواق التنبؤ فتمنحه فرصة أقل؛ «أيوا إلكترونيك ماركيتسات» تمنحه 30 في المائة. هل يعمل هذا على التقليل من شأن فرص ترامب؟ حاول البحث في شبكة الإنترنت عن بعض الكلمات المهمة. أجرى بيتر أتووتر، من شركة فاينانشيال إنسايتس، بحثا في أرشيف صحيفة «نيويورك تايمز» عبر الإنترنت، ووجد أن كلمة «شعبوي» تتكرر أكثر من مرتين على الأغلب هذا العام مما تكررت فيه في أي وقت مضى خلال القرن العشرين بأكمله. هذا يعني أن الدلالات على وجود اضطرابات منتشرة في كل مكان. هل هذا يعد نوعا من التهاون؟ ربما لا. فالدستور الأمريكي فيه ضوابط وموازين، وتمت كتابته من قبل أشخاص يخشون وصول رئيس ذي سلطة قوية فوق الحد. لم يتم التخطيط لمقترحات ترامب بعناية، ولن يتمتع بالحرية اللازمة ليتسنى له التصرف كما كان خلال مسار الحملة. ربما تكون السنوات القليلة الماضية، التي شهدت جمودا في العلاقات بين الكونجرس والرئاسة، أنموذجا جيدا، ولم تكن سنوات سيئة بالنسبة إلى الأسواق.لكن الرئاسة تمتلك بالتأكيد حرية التصرف في مجال الشؤون الخارجية بشكل حاسم في مجال التجارة. ومع ذلك، المخاطر السياسية في الولايات المتحدة مرئية فقط في عدد قليل من زوايا السوق. اندفع البيزو المكسيكي، المتأثر جدا بانتصار ترامب، على الفور بعد انتهاء المناظرة. وفي وقت لاحق من الأسبوع بيعت أسهم شركات الأدوية بأسعار رخيصة لأنه ظهر على ما يبدو تحسن على فرص هيلاري - التي من المحتمل أن تتخذ مسارا نشطا في الحد من أسعار الأدوية. ربما تظهر المخاوف السياسية نفسها وكأنها تدل على عدم الاقتناع. توصل استطلاع فصلي أخير أجرته شركة أبسولوت لبحوث الاستراتيجيات، شمل مديري مؤسسات يسيطرون على ثلاثة تريليونات دولار موزعة فيما بينهم، إلى وجود انهيار في التيقن من التنبؤات على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. وهناك حالة من عدم الثقة إزاء آفاق الذهب أو النفط، في الوقت الذي تراجع فيه مستوى الثقة بأن سوق الأسهم الأمريكية يمكنها الاستمرار في الارتفاع.ديفيد باورز، من أبسولوت لبحوث الاستراتيجيات، يشير إلى أن هذا يدل على أن المستثمرين يعدون أنفسهم «لتغيير محتمل في النظام» في الوقت الذي لا يزالون فيه يتشككون في إمكانية حدوثه بالفعل. حسب الوضع الحالي، تتمثل مجمل مخاوف المستثمرين في أن النظام السياسي الأمريكي، والنظام المالي العالمي، يتسمان بالمتانة الكافية التي تمكنهما من تحمل الصدمات المحتملة التي تنتظرهما، وأنه سيتم تجنب تلك الصدمات. لكن شبكة الإنترنت لا توافقهم الرأي. |