واثق الجابري التوافقية شكل ما أو طريقة لتقاسم السلطة في نظام ديمقراطي، تنقسم فيه الدولة عامودياً على أسس عرقية أو دينية وتمنع تشكيل الأغلبية، وتُبنى التوافقات بتشاور الطبقة السياسية، ويؤدي الى استقرار تقاسم السلطة وتجنب العنف السياسي.. ما يجري في العراق توافق وتقاسم، لكنه سبب عدم رضا للأغلبية؛ ساسة كانوا أو شعب، معتبرين أن التوافق سبب المشكلات، بتقاطع العمل السياسي والإداري، واستئثار طبقة سياسية على حساب الشعب، وتغليب الطائفية على مبدأ التوافق. تهدف النظم التوافقية الى الاستقرار وتجنب العنف، والتوازن بين السلطات وتمثيل الأقليات، وترك مهمة رسم السياسات للخبراء لا للسياسيين، ودفع القوى باتجاه التهديدات الخارجية، بالولاء للدولة لترسيخ مفاهيم المساواة والعدالة. التعددية مفهوم لقبول الآخر لا التقاطع ورفضه أو عرقلة إيجابياته، وتحفيز النخب للإنخراط في تنظيم الصراعات، وإبعادها عن فرعيات التطرف في العمل السياسي، وهذا من مسؤولية النخب لتسويق الإيجابيات، والإشارة الى السلبية بعين التقويم، وإبعاد ما يثير الانقسام في وسائل الإعلام. يعتقد مؤيدو التوافقية بأنها خيار لمجتمعات منقسمة، وتمهيد للانتقال الناجح الى الديمقراطية، وحجر أساس لبناء الدولة بعد الديكتاتورية والفوضى، وأثبت جدواه في خلق نوع من الاستقرار السياسي في بداية التجربة في العراق، إلاّ أنها بقيت تراوح مكانها وزادت التقسيمات داخل المكون الواحد، ولم تخرج من أطار هذه التقسيمات الى التفكير بالأغلبية أو تجاوز المكونات، وحتى الأحزاب الليبرالية والمدنية، تعود الى مكوناتها، بعد صراعات ضارية قبل الانتخابات، بل وحتى بعد تشكيل الحكومة، فهي تتهادن في فترة التشكيل لتعود مرة أخرى، مخلفة واقعا سياسيا وشعبيا غير مستقر وغير راضٍ، وتتعثر التوافقية، وتغيب قدرة النخب عن صياغة مخرجات سياسية. أثبتت التجربة أن العودة للتوافقات السياسية في الحكومة القادمة، يستبعد أن تنتج حكومة قادرة على تحمل كل الإرهاصات المتراكمة، لانعدام الثقة والمخاوف القائمة بين القوى السياسية، والجانب الشعبي من جهة أخرى، ونظراً لتراجع دور الدولة في فرض سياساتها وسيادتها وقانونها، نتيجة عدم قدرتها على إقناع جماهيرها، على أنها شريكة في تحمل المسؤولية في حال مرور الدولة بمحنة كالاقتصادية وكورونا حاليا. يقابل ما سبق ممانعة بعض القوى السياسية للخروج من قواعد التوافق، وقد يدفعها لذلك الاستقواء بالخارج، أو زج الجمهور على أساس قومي وطائفي، وأضعاف الثقة بالدولة بالعودة للانتماءات الفرعية أو الإملاءات الخارجية.. وهذا ساهم في إفشال الحكومات المتعاقبة، وشكل تفاوتا اجتماعيا واقتصاديا؛ كعامل مضاف لعوامل عدم الاستقرار، وتزايد وتيرة الفقر ونسب العاطلين ونقص فرص العمل، وفقدان القبول بالقوة السياسية المرنة، التي تتميز بالتعامل بواقعية للوصول الى تفاهمات وترسم خارطة طريق تجنب النزاعات.
|