ضياء نافع كان هذا الحديث عن تشيخوف ممتعا جدا بالنسبة لي، ولا أدري اذا سيكون ممتعا ايضا للقراء الذين يتابعون الادب الروسي و(درابينه!) وانعكاساته في الوعي الاجتماعي العراقي بشكل خاص، والعربي عموما، ولكني أظن (وبعض الظن اثم)، ان هذا الحديث ربما سيكون طريفا لبعض القراء (خصوصا لهؤلاء الذين عاصروا عدة مراحل زمنية متنوعة جذريّا في مسيرة العراق الفكرية منذ اواسط القرن العشرين)، ولهم بالذات قررت كتابة خلاصة لهذا الحديث. الخلاصة ليس الا، دون تكرار، او حتى الاشارة البسيطة الى الشعارات و(الهتافات!) التي رافقت هذا الحديث (الادبي البحت!) عن تشيخوف، والذي استمر في حدود نصف ساعة لا أكثر، ولكن هذه (النصف ساعة!) كانت مليئة بالافكار الغريبة جدا والعجيبة فعلا، والتي من الصعب –بالنسبة للاكثرية– حتى التفكير بامكانية الاعلان عنها بهذه الصيغة والتحدّث حولها، ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.سألني (بطل الحديث!) بحدّة وقوة –ما هو موقف تشيخوف من الطبقة العاملة؟ لم اكن اتوقع بتاتا هذا السؤال عن تشيخوف، وبالتالي لم استطع الاجابة رأسا، وحاولت ان اكسب وقتا اضافيا للتفكير فطرحت عليه سؤالا تفسيريا مضادا، وسألته وأنا اكرر – موقف تشيخوف من الطبقة العاملة في الامبراطورية الروسية؟ فأجابني وبنفس الحدّة والتوتر– نعم، من الطبقة العاملة المضطهدة والمسحوقة من قبل الرأسمالية الروسية في تلك الامبراطورية الوحشية التي كان يحكمها القياصرة الطغاة. قلت له مبتسما، وانا احاول تهدئة الاجواء المتوترة، ان تشيخوف كان متعاطفا مع الشعب الروسي بأكمله، ولكنه لم يركّز اهتمامه على طبقة معينة بالذات، ولم يكن ضد اي طبقة من طبقاته، بل وكان تشيخوف متعاطفا اصلا مع كل انسان بشكل عام، فضحك (بطلنا!) من جوابي باستهزاء، وقال: طبعا، لا يمكنك ان تجيب بشكل دقيق وحاسم عن سؤالي المحدد، وتحاول ان تتهرب من الموضوع الواضح للعيان بالنسبة لكل شخص يمتلك رؤية ثورية حقيقية واصيلة تجاه ظواهر الفن عموما، والادب خصوصا، هذه الظواهر التي يجب ان تخدم الشعب وطبقته العاملة قبل كل شيء، وأضاف بعد ان صمت قليلا، لقد طرحت عليك سؤالا محددا، وهو بالنسبة لنا، نحن الذين درسنا واستوعبنا النظرية الثورية الحقيقية، مثل الترمومتر لقياس حرارة الجسم، اذ ان الموقف من الطبقة العاملة يحدد بشكل واضح وصريح كل شئ في ابداع اي كاتب في العالم، والنموذج الذي نعرفه في الادب الروسي هو مكسيم غوركي وروايته (الام)، والتي أعطت للادب الروسي (والعالمي ايضا) بداية مفهوم الواقعية الاشتراكية، وتشيخوف الذي عاصر غوركي لم يلاحظ حتى بدايات ذلك الاتجاه الادبي والفني العظيم، واستمر بكتابة قصص عن (عطسة موظف) او (عضة كلب) او (سيدة ذات كلب صغير)، او مسرحية (الدب) وما شاكل ذلك من تلك المواضيع الساذجة وغير المهمة بتاتا للناس، لأن تشيخوف برجوازي صغير ليس الا، والبرجوازية الصغيرة في كل المجتمعات لا يمكن لها ان تستوعب ابدا طبيعة المشاكل الاجتماعية الكبرى والاساسية في المجتمع. |