سما حسن يمكن أن تقول: ختامها شوكولاتة، فها أنت تجد نفسَك في متحف الشوكولاتة في إسطنبول، أو تجد نفسَك غارقا بالشوكولاتة، بصرا وتذوّقا، فأنت ترى كل شيء قد تم تشكيله من الشوكولاتة الخالصة. وهناك من يركضون خلفك بهدايا صغيرة وقطع مغلفة من الشوكولاتة الخام، المشكّلة بأشكالٍ لا تتخيلها، ولا تقاوم إغراء سكب سائل الشوكولاتة الخام في كأس صغير، لا يزيد عن حجم فنجان القهوة، مصنوعا من الشوكولاتة أيضا. ليست هذه المقالة بالطبع دعاية مجانية لمتحف الشوكولاتة في شمال إسطنبول، ويعد من أهم متاحف العالم. مساحته حوالي خمسة وعشرين ألف متر مربع، ويتألف من أربع صالات عرض رئيسية، تقوم فيها المنحوتات أمام أعين الزائرين، مصنوعة من الشوكولاتة الخام مجسّدة معالم سياحية مهمة، وشخصيات تاريخية خلّدها التاريخ، إضافة إلى عاداتٍ مارسها الشعب التركي على مر العصور. وأنت تتجوّل بين تماثيل الشوكولاتة، تشعر بروعة المكان وبهجته، خصوصا أنك من محبّي الشوكولاتة الغامقة والخالية من السكر. ولكن حين يبرز فجأة أحد الموظفين في المكان، ويقدّم لك سائل الشوكولاتة الخام، ويكون عليك تذوّقه على عجل بملعقة صغيرة، لا تستطيع أن تحمل ثقل هذا السائل الداكن، فتقع على ملابسك، وتلوّث يديك وزوايا فمك، فهنا تكتشف واحدةً من حقائق الحياة، أن الأشياء الجميلة المبهرة التي نتعلق بها، أو نتوق إليها، قد تكون مؤذية لنا في بعض الأحيان، أو في أحيان كثيرة. عبثا، حاولتُ تنظيف ما علق من السائل فوق ملابسي. وما زاد الأمر سوءاً أن السائل قد علق بيدي، ولم تعد هناك وسيلة للتخلّص من فوضى السائل العالقة بأطرافي وملابسي سوى أن أسأل عن أقرب دورة مياه. وفيما كنت أنشغل بتنظيف البقايا العالقة، كانت الأفكار تدور في رأسي حول الفكرة ذاتها؛ وهي فكرة التعلّق، أو الوجه الآخر للأشياء التي نحبّها ثم نتأذّى منها وبسببها. أقف في صالة العرض التي تضم مجسّماتٍ لأماكن تاريخية مهمة في العالم، بعدما نجحت في تجفيف يديّ وتنظــــيفهما، أمام مجسّم من الشوكولاتة لقبّة الصخرة، وإلى جـــوارها مجسّم آخر للمسجد الأقصى، وإلى جانبــــــهما كانت تقف ســـــيدة تدوّن معلومات كتبت على مســــندٍ صغير، تعتليه لوحة على شكل كتاب، وقد دوّنت فوقها معلومات عن تاريخ المسجدين. كــــنت أنــــظر برهبة إلى المسجدين فعلا، وحـــــاولت أن أتلمسّهما، وكنت أتوقع أن تعلق الشوكولاتة بأطراف يدي، لكن ذلك لم يحـــــدُث، فالشوكولاتة كانت صلبة مثل الحــــجارة، والمــــكان بارد إلى درجة ملحوظة. |